بسام بونني – صحفي تونسي مقيم بالدوحة
لم يعد يتسع الصدر لأي نقد مهما كان مصدره. فالغضب استشرى والعنف اللفظي وأحيانا الجسدي بات خيارا لبعض الجهات التي لم تعد تتحمل سماع أي صوت مخالف. أقلّ ما لاحظناه في الآونة الأخيرة اشتداد الحملات ضدّ "بؤر" الرفض التي تمتدّ من الحزب الديمقراطي التقدمي ومرشحه الرئاسي المنسحب إلى حركة التجديد وزعيمها المترشح لانتخابات الرئاسة. ولسائل أن يسأل هنا : إذا الانحساب رجس من عمل الشيطان وكذا الترشح فما الذي يمكن فعله لنيل الرضا ؟
إلى هذا الحدّ، من الممكن تفهّم الموقف من المعارضين، كيف لا و"مصادر تمويلهم مشبوهة" وهم "يتسوّلون على عتبات السفارات الغربية". كما أنهم "غير معروفين لدى عامّة الشعب" – هذا افتراء تكذّبه الصدارة التي تحتلّها صحيفتا "الموقف" و"الطريق الجديد" على مستوى الصحف الحزبية -.
ثمّ إنّ هؤلاء المعارضين لا يحفظون الجميل. فقد تمّ تمكين حركة التجديد والتكتل من أجل العمل والحريات علي سبيل المثال والحصر – نعم والحصر، عزيزي القارئ – من قاعات عامة لعقد مؤتمراتهم.
ماذا تريدون أكثر من ذلك ؟ أيّ مصداقية ل"مزاعم" الشابي وإبراهيم وبن جعفر ومن سار في ركبهم بشأن التضييق والتنكيل بهم وبمسانديهم والمتعاطفين معهم ؟
في المقابل، من العسير في هذه اللحظة بالذات تفسيرالهجمة التي يتعرّض لها من َرفَضَ الأطر الحزبية والحقوقية والنقابية في ممارسة حقه كمواطن في نقد الواقع السياسي للبلاد والتعبير عن رأيه دون تتبعات أو ترهيب.
ومن أبرز مظاهر هذه الهجمة حملةً قرصنة حسابات البريد الالكتروني والفيسبوك والتي طالت قضاة ومحامين وصحفيين مستقلين وطلابا وعاطلين عن العمل وفلاّحين إلخ ...
في العالم الافتراضي، أيضا، تمّ تدمير مواقع الكترونية بالكامل ومسح محتواها نهائيا وإلى الأبد. بل إنّ الزميل زياد الهاني بات قريبا من نيل شرف الدخول إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد حجب مدونته 18 مرّة !!!
وتتخذ الهجمات الافتراضية عدّة أشكال. فهناك القرصنة والاستحواذ على الحسابات والصور المفبركة والفيديو إلخ ... وتختلف لهجة التعامل حسب مدى "خطورة" الأشخاص المستهدَفة. فيتعرّض البعض للتهديد والوعيد، بينما يُهتك عرض البعض الآخر بشكل مقزز لا يمت بأخلاق التونسي – نعم التونسي ذو أخلاق عالية أحب من أحب وكره من كره - بِصلة.
كما تمّ تداول أوراق رسمية على مواقع مختلفة على شبكة الإنترنت ل"النيل" من بعض الأشخاص ومن بينهم من لا ناقة له ولا شاة في حقل السياسة أو أي مجال آخر من المجالات "التشويشية". ومن بين هذه الوثائق أحكام قضائية وبطاقات السجل القضائي ومضامين ولادة وصور جواز سفر إلخ ...
طبعا، من الصعب تدوين كلّ مظاهر الحرب التي تُشنّ على آلاف المواطنين على شبكة الانترنت. لكن، من السهل الانتهاء إلى معناها الأساسي وهو أنّ من يرفض صوتا في عالم افتراضي لن يرحمه في الواقع.
المصدر : تونسنيوز، العدد 3401 بتاريخ 14 سبتمبر2009
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.