vendredi 5 décembre 2008
الصّحافي التّونسي والحقوق المسروقة
ما قد لا يعلمه البعض، هي الظـّروف الإجتماعيّة الصّعبة وشديدة الوطأة، الـّتي يعانيها الصحافي التّونسي جرّاء هضم حقوقه المالية من قبل جل المؤسّسات الصّحفية وأخص بالذكر منها بعض مؤسسات الصحافة المكتوبة، التي لا يلتزم مالكوها بالقوانين الواردة بمجلة الشّغل، أو بما ورد في الإتفاقية القطاعية المشتركة للصحافة.
فالأجور التي يتقاضاها الصحافيون – والذين بفضل جهدهم يحقق مديرو الصحف الثروة – لا تكفي أحيانا لسد الرمق، هذا إذا تسلموها في موعدها. بل إنّ هذه الأجور أقل من الأجر الأدنى المعمول به في تونس، وهو أسلوب متخلف وغير إنساني يعاملون به من قبل الأعراف، إلى جانب كونه يدوس على قوانين تنظم العلاقات الشغلية.
هذا الوضع لم يحرك تجاهه أحد ساكنا، لأسباب غير مفهومة؟ فلا تفقدية الشّغل تحركت بحزم. ولا وزارة الإتصال قامت بما يلزمها به القانون ووضعت حدّا لهذه التجاوزات.
إن ما يحزّ في النفس هو أنّ الصحف التي تسرق حقوق صحافييها تتمتع بالدعم العمومي الذي يتأتّى من نشر الإعلانات والبلاغات الرسمية، عن طريق وكالة الإتصال الخارجي. بل إن هذا الدّعم يكون بسخاء أحيانا، في حين أن القانون، والذي من المفروض أن تسهر على تطبيقه وزارة الإتصال، يحرم الصحف التي تسرق حقوق صحافييها من هذا الدّعم. فلماذا لا يطبق هذا القانون؟ ألا يعد ذلك تعديا على دولة المؤسسات والقانون؟ هل يعقل أن يتمتع من يسرق حقوق الصحافيين بحصانة تجعله يتمادى في السرقة دون أن يخشى المحاسبة؟
إنه وضع مزر يمس بسمعة وصورة بلادنا جراء هذه السرقة التي تسلب هذه الفئة من الشغيلة حقوقها، وإن تجرّأ فرد منها على المطالبة بحقه يطرد شرّ طردة ويحال على البطالة.
فإلى متى سيتواصل هذا الوضع؟ هذا السؤال لا نجد من يجيبنا عنه رغم أن كل الأطراف تملكه. فخلال مناقشة ميزانية الدولة لسنة 2009 طرح هذا السؤال على وزير الإتصال، ولم تنقل لنا الصحف التي غطت جلسات البرلمان أن الوزير قال إن الوزارة ستتّخذ إجراء يضع حدّا لهذه السرقات؟
قد يتساءل البعض أين نقابة الصحافيين من كل هذا؟ وهو سؤال منطقي ومشروع.
النقابة سعت إلى الإهتمام بهذه الملفات وذلك في مختلف المؤسسات الإعلامية وقامت بزيارات ميدانية والتقت بعض مديري الصحف... وطالبت بتسوية الوضعيات. ونفس الشيء قامت به بالنسبة للمتعاونين بمؤسستي الإذاعة والتلفزة الذين ينتظرون التسوية منذ سنوات، ووقع لقاء بهذا الخصوص مع وزير الإتصال، وقدمت بعض الوعود مازالت لم تنفذ وهو ما اضطر الزملاء بالمؤسستين المذكورتين إلى القيام باعتصام رمزي في مقر النقابة، للفت الأنظار إلى أوضاعهم، دون جدوى. بل إن النقابة اتهمت باتخاذ التصعيد نهجا تسير عليه، وهو ما أدى إلى عدم معالجة المشاكل. إنه أمر مضحك حقا بل هو سخيف. وتجميد الوضع هو من جهة عقاب للنقابة على سماحها للصحافيين بالإحتجاج، ومن جهة أخرى هو يهدف إلى إظهار النقابة في موقف ضعف وتصويرها في صورة العاجز عن حل مشاكل الصحافيين. وبلغة أخرى فإن التسوية لن تتم إلا مقابل ثمن. والغاية الأساسية هو جعل الصحافيين ينفضون من حول نقابتهم التي لم تفعل لهم شيئا؟ ويبدو أن هذا الأمر مخطط له بإحكام للإمساك بالنقابة ووضعها بين أياد أمينة تدين بالطاعة وتلتزم بالتعليمات، فتفقد بالتالي استقلاليتها وتحيد عن أهدافها وتصبح هموم الصحافيين آخر شيء يعنيها.
هناك أطراف تعمل على إظهار النقابة في مظهر الفاشل الذي لا يقدر على تحقيق أية مكاسب للصحافيين، في حين أن النقابة لا تملك سلطة اتخاذ القرار لتسوية الوضعيات وإلزام جميع الأطراف بتطبيق القوانين. فهل تكون هي القادرة على ذلك ولا تقدر السلطات التي بيدها السهر على تطبيق القانون على ذلك؟
لقد أصبحت لديّ قناعة راسخة بأن هناك من يسعى إلى شل هذا الهيكل وتدجينه، لأنّه لا توجد إرادة صادقة لإعطاء الصحافي التونسي المكانة التي هو جدير بها، سواء في وجود نقابة أو في عدم وجودها.
والصحافي التونسي مطالب بأن يتحمل مسؤوليته في الدفاع عن هذا الهيكل المهني المستقل لأن التاريخ سيحاسبه إن هو أضاعه، والأجيال اللاحقة ستلعنه كلما ذكرته. إن الواجب يفرض علينا الدفاع على هذا المكسب بقوة العقل وبعيدا عن التشنج. ودون وضع الإعتبارات الخاصة والإنتماءات الضيقة في الحساب. فما يجمعنا جميعا هو الإنتماء إلى المهنة والإختلافات لا يجب أن تصور أو تتحول إلى عداوات.
سوف لن نحصل على حقوقنا المسروقة سواء المعنوية أو المالية، إلا إذا استمعنا إلى بعضنا وتحاورنا دون تشنج ودون حسابات ووقفنا صفا واحدا يشد أحدنا أزر زميله. ففي النهاية ومهما كبرت الخلافات والإختلافات فنحن زملاء وهمّنا واحد.
ولا أعتقد أن فينا من يقبل ملازمة الصمت ولا يرك ساكنا تجاه وضع زميله الذي قد لا يجد أحيانا ما يسد رمقه.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.