dimanche 11 janvier 2009

الزميل سفيان بن فرحات: بروباقندا في المعسكرات الصحفية الفرنساوية

بروباقندا في المعسكرات الصحفية الفرنساوية

نص المحاضرة التي قدمها الزميل سفيان بن فرحات في اشغال الندوة حول العدوان على غزة بين القانون الدولي والإعلام التي نظمتها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بتونس يوم الجمعة 9 جانفي 2009



سيداتي، سادتي،

أريد، قبل الخوض في أهم أعراض التغطية الإعلامية الفرنساوية للحرب الإسرائيلية الدامية في قطاع غزة، الوقوف على معطيين هامين :

أولهما أن عبدكم الفقير ليس له موقف سلبي من الفرانكفونية، إذ أن أكثر من 90 في المائة من مقالاتي ومن الكتب التي ألّفتُها هي باللغة الفرنساوية ؛ وإذ اعتبر اللغة الفرنساوية إلى حدّ ما غنيمة حرب يُستحسن استعمالها والاستئناس بها خدمة لقضايانا ولثقافتنا الوطنية ولمقومات هُويّتنا الأساسية، فإنني أمقت ما يمكن تسميته بالفرانكوفيلية والفرانكومانية لحدّ الهوس لدى بعضهم هنا وهناك. ويجدر التنبيه أن الفرنكوفيلية والفرنكومانية هما من باب السطو على الأفئدة والعقول، وأول من تفطن لذلك كان شيخ الأزهر حسن العطار المتوفى سنة 1834 والذي كتب في مقامته الشهيرة "مقامة الأديب الرئيس الشيخ حسن العطار في الفرنسيس" عندما التقى بضباط نابليون في حملتهم على مصر مُعجبا بأحدهم :

تجانس الحسن في مرآه حين غدا بين الكلام وبين الثغر تجنيس

وصاد عقلي بلفتات فواعجبا حتى على العقل قد تسطو الفرنسيس

وثانيهما أنني لست من مريدي حركة حماس الفلسطينية، رغم انحيازي قلبا وقالبا، فكرا وساعدا، عقيدة وممارسة، ومنذ نعومة أظافري للقضية الفلسطينية التي أعتبر انتهاكها أم المظالم بل ومظلمة المظالم عبر العصور.

سيداتي الفضليات، سادتي الأفاضل،

إذا أقرّ الجنرال الألماني كلاوزفيتز المعاصر لنابليون بونابرت أن الحرب هي مواصلة للسياسة بطرق أخرى، تؤكد تغطية الصحافة الفرنساوية والفرانكفونية للحرب الإسرائيلية المدمرة في غزة بأن الإعلام هو مواصلة للحرب بطرق أخرى.

لقد أصبحت الغالبية الكاسحة لوسائل الإعلام الغربية والفرنساوية تباعا شريكا فاعلا في هذه الحرب التي تدّعي تغطيتها الموضوعية والمتجرّدة والمحايدة وهلم جرا من الشعارات المُتداولة زمن السلم والمُدرّسة في الكليات والأكاديميات الإعلامية.

إن اللافت للانتباه هو الانحياز الغير مخفيّ لوكالة الأنباء الفرنساوية وللجرائد والمجلات والإذاعات والقنوات المتلفزة الفرنساوية للجيش الإسرائيلي في حملته الدامية على غزة وأهاليها المدنيين الأبرياء، هذا زيادة عن تضامنهم مع جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد حركة حماس ومقاوميها وغيرها من الفصائل الفلسطينية المقاتلة.

تستعمل الغالبية الكبرى من وسائل الإعلام الفرنساوية كلمات وألفاظا منحازة ومظللة. فعلى سبيل الذكر لا الحصر تورد هذه الوسائل الإعلامية اللفظ العبري تساهال للدلالة على الجيش الإسرائيلي (وهو ما مفاده ترجمة جيش الدفاع الإسرائيلي)، في حين من الأجدر القول الجيش الإسرائيلي أو جيش الاحتلال الإسرائيلي حين تواجده على أراض فلسطينية أو عربية محتلّة. بل ويستعمل الصحفيون الفرنساويون لفظ تساهال هذا بروح حميمة وكأنه طفلهم المدلل وخلّهم المُبجّل كما نقول في ربوعنا سيدي علي وسيدأحمد وتونس الخضراء.

في المقابل يستعملون كلمة حماس مرفقة دائما وأبدا بعبارات كالحركة الإسلامية والإرهابية والمتشددة والأصولية والجهادية والمتطرفة وحليفة حزب الله وسوريا وإيران. ويصفون منخرطي حماس والمتعاطفين معها وفدائييها بألفاظ نابية كالإرهابيين والقتلة.

ويمتدّ هذا التوصيف العنصري لأهالي غزة، وهم في غالبيتهم من اللاجئين الفلسطينيين، تم تهجيرهم هناك منذ نكبة 1948 ونكسة 1967 ومصادرة أراضيهم ومحو مدنهم وقراهم داخل فلسطين 1948 (الخط الأخضر) في سياق عملية التطهير العرقي لفلسطين التي خصص لها المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي

Ilan Pappe كتابا مدوّيا وممتازا.

وتجدر الإشارة في هذا الشأن إلى أن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية بادرت في منتصف يوم السبت 27 ديسمبر 2008 بقصف وحشيّ لمدرسة خرّيجي الشرطة بمدينة غزة أوقع ما لا يقل عن المائة وخمسين شهيدا من بين الطلبة. وللعلم فقد تمّ تأسيس هذه المدرسة منذ سنوات عديدة بمقتضى تمويل من الاتحاد الأوروبي. تجاهل الإعلاميون الفرنساويون ذلك وتحدثت وكالة الأنباء والجرائد والقنوات التلفزية الفرنساوية عن سقوط أعضاء من "قوى أمن الحركة الأصولية المتطرفة حماس" على حدّ ادعائهم ومزاعمهم.

يتجاوز هذا الموقف التضليل ليصبح عن قصد تبييضا بأتم معنى الكلمة لجريمة حرب نكراء يكيّفها القانون الدولي الإنساني بصفتها من باب الجرائم ضد الإنسانية.

ومنذ بداية هذه الحرب الضارية دأبت وسائل الإعلام الفرنساوية بوصفها ب"ردّة فعل" و"دفاع شرعي" مزعومين للجيش الإسرائيلي ضد ما أسمته خرق حماس للهدنة وإعادة إطلاقها للصواريخ تجاه إسرائيل.

(représailles et légitime défense)

وفي سياق التضليل اللفظي يتحاشى الإعلام الفرنساوي التحدث عن الاجتياح العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة واحتلاله مفضلا عبارة "العملية البرية " وكأن طوابير الدبابات والمجنزرات والمدرعات وفرق المشاة الإسرائيلية المحصّنة بالطائرات والهلكوبترات والمدفعية الثقيلة في مجرد جولة استطلاعية.

هذا ما يتضح جليا في جرائد كبرى كلوموند وليباراسيون ولوفيغارو (ما عدا لومانيتي) وقنوات ك تف1 وفرانس2 وآم6 وآرتاي وغيرها. لا أحد تحدّث عن حصار غزة الذي دام 18 شهرا وعن غلق المعابر وإيقاف الإمداد بالكهرباء والغاز والمياه، ومصادرة مخصصات الموظفين، والعائدات الجبائية، وإحلال كوارث إنسانية مفجعة بقطاع غزة منذ أشهر عديدة. ويعلم الجميع أن إسرائيل هي التي بادرت بخرق التهدئة المبرمة مع حماس في 19 جوان 2008. وطبقا لأرقام نشرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية ذاتها وموجودة على شبكة الأنترنات، فقد هاجمت القوات الإسرائيلية غزة 87 مرة خلال شهر جوان 2008، ومرة واحدة في شهر جويلية، وثمان مرات في أوت، ومرة في سبتمبر، ومرتين في أكتوبر 2008. كما اعتمدت إسرائيل غلق كل المعابر وتجويع الغزاويين. ويوم 5 نوفمبر 2008، هاجم الجيش الإسرائيلي نشطين من حماس بغزة، وقتل أربعة منهم، فما كان من حماس إلا إمطار إسرائيل ب126 صاروخا بمثابة رد الفعل. وتذرعت إسرائيل بذلك لشن حربها الدموية ضد غزة.

وفي الحقيقة كانت العملية العدوانية الإسرائيلية ضد نشطي حماس يوم 5 نوفمبر 2008 استفزازا مدبّرا. فمنذ ستة اشهر طلب وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك من الاستخبارات مده بقائمة مفصلة للتجهيزات الأمنية والمدنية بقطاع غزة شارعا شارعا وزقاقا زقاقا بالتفصيل الممل. تحصل على مبتغاه وأقفل على المعلومات بمكان خفيّ في انتظار قرب مدة انتهاء التهدئة مع حماس وموعد الانتخابات التشريعية المرتقبة بإسرائيل.

تم التعتيم على ذلك، وعلى الأبعاد الانتخابية الإسرائيلية الداخلية للعدوان على غزة. وادعى الإعلام الفرنساوي بان أهداف القصف الإسرائيلي هي البنى التحتية لحماس، رغم إقرار جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه ينوي تقويض حركة حماس بأكملها. في المقابل وقع التركيز على علاقات حماس بحزب الله وسوريا وإيران، أي "محور الشرّ" طبقا لتوصيفات الأدبيات السياسية الدعائية الأمريكية. أما صور الضحايا المدنيين من بين الأهالي الفلسطينيين فقد تم ويتم إلى حدّ الساعة تسويقها على أساس أنها مجرد "أخطاء هامشية" وضحايا ثانوية.

Bavures et victimes collatérales

وغالبا ما اعتبرت وسائل الإعلام الفرنساوية، من وكالة أنباء وجرائد ودوريات وإذاعات وقنوات تلفزية، مئات الأطنان من القنابل المدمرة التي أطلقتها الطائرات المقاتلة الإسرائيلية على أهالي غزة من قبيل "الاستعمال المفرط للقوة".

Usage disproportionné de la force

في المقابل ورد في افتتاحية جريدة لوموند الغراء بتاريخ 30 ديسمبر 2008 أن الصواريخ التي تطلقها حماس والفصائل الفلسطينية هي من باب "جرائم الحرب". علما وأن هذه الصواريخ لم تقتل سوى ثمانية إسرائيليين على امتداد الثماني سنوات المنقضية.

وكتب لورون جوفران في ليبيراسيون بتاريخ 29 ديسمبر 2008 مقالا عبّر فيه عن خشيته من أن تفقد إسرائيل تفوقها الأخلاقي على حدّ قوله.

وبلغ الاستهتار والخفة المنافين لأبسط قواعد المهنة الصحفية وأخلاقياتها لدى قناة فرانس2 ذروتهما لما أقدمت ظهر الاثنين 5 جانفي 2009 على بث صور للقصف على غزة تم تصويرها سنة 2005 بمخيم جباليا إثر حادث، وتظاهرت القناة الموقرة بالاعتذار عن ذلك في الغد.

ولما بلغ السيل الزُبى وتقشّعت جليا للعيان قاصيا ودانيا صورة إسرائيل الوحشية ومجازرها المروّعة كمجزرة مدرسة وكالة غوث اللاجئين الأونروا بمخيم جباليا التي ذهب ضحيتها ما لا يقل عن 43 مدنيا قُتلوا ومائة جريح، ورغم إقرار أمين عان الأمم المتحدة بان كي مون مساء 6 جانفي 2009 بمجلس الأمن بأن عدد الضحايا المدنيين قارب السبعمائة، واصلت وسائل الإعلام الفرنساوية التضليل، مدّعية أن عدد القتلى المدنيين يقارب المائة، موحية بأن الستمائة الباقون هم من مقاتلي حماس، في حين أكدت المصادر العسكرية الإسرائيلية ذاتها بأن عدد القتلى في صفوف حماس يعدّ ببعض العشرات.

قلت في بداية هذه المداخلة سأورد أمثلة على سبيل الذكر لا الحصر. القائمة تطول وتستأهل عرضا مستفيضا ودراسة دلالية معمقة ليس في وسعي تناولها الآن وهنا.

أكتفي ببعض الملحوظات الختامية.

- إن مقاربات تعاطي الإعلام الفرنساوي مع الحرب على غزة لا تنبع من تحاليل بقدر ما هي نتاج حملة دعائية منظمة بكل ما لكلمة بروباقندا من دلالات سيئة الصيت. إنه تمترس دعائي وفكري وإيديولوجي.

- إن ما تم ملاحظته من مواقف ثابتة يؤكد أنها ليست عفوية ومن باب ردود الفعل الفجائية بقدر ما هي نتاج مسار عميق مرتكز على تراكمات وتموقعات قصديّة تؤسس وترسّخ لمتن حكائي إعلامي أحادي وكلياني، ومنحى سردي اتصالي تلقيني، ملفّقا ومغشوشا، يردّده للأسف الشديد زملاء صحفيين كالببغاءات.

- تعتمد وسائل الإعلام الفرنساوية، وبخاصة منها التلفزية، في نهجها هذا على خبرات مفبركة، بعضهم مشبوهين إلى حدّ بعيد لارتباطهم بدوائر استخباراتية فرنساوية وإسرائيلية وجمعيات ومراكز قوى صهيونية، على غرار الكساندر دال فاللي، وأنطوان بسبوس، وأنطوان صفير، وبرنارد هنري ليفي، وألكسندر أدلر، وأندري قلوكسمان، وألان فينكلكروت...كما غالبا ما يلجأ الصحفيون الفرنسيس إلى كبار الضباط في جيش الاحتياط الإسرائيلي على أساس أنهم مؤرخين على غرار إيلي بارنافي الذي شغل خطة سفير إسرائيل بفرنسا لسنوات عديدة. هؤلاء كلهم يهرعون للمحطات التلفزية وهيئات التحرير الفرنساوية لغاية في نفس يعقوب بمناسبة أزمات الشرق الأوسط وقلّما تُعتمد خبرات مشهود لها كباسكال بونيفاس وطارق رمضان وغيرهم.

- يتجاوز هذا التمترس الدعائي والفكري والإيديولوجي للإعلام الفرنساوي التتاخم التقليدي والكلاسيكي بين اليمين واليسار الذي يطبع الساحة الفرنساوية منذ قرون. فجماعة برنارد هنري ليفي، وأندري قلوكسمان، وألان فينكلكروت ظهروا في البداية تحت يافطة الفلاسفة الجدد ثم تحول بعضهم إلى عائلة اليمين الجديد بينما بقي بعضهم في خانة اليسار. يتصارعون عدائيا أحيانا فيما بينهم فيما يتصل بالشأن الداخلي الفرنساوي، ولكن كلهم سواء، يد واحدة، تجاه معاداة القضية الفلسطينية ونصرة إسرائيل اللامشروطة، رغم أن اليمين الفرنساوي تميز سابقا بأقل عداوة للعرب من اليسار، هذا طبعا قبل ريادة ساركوزي المؤسسة لنهج حميمي يميني فرنساوي متقد حبا ونصرة لإسرائيل.

- إن الشيطنة تجاه العرب والفلسطينيين وحركة حماس ومن حذا حذوهم وما حاذاهم موجودة بالأساس في الجرائد والدوريات والإذاعات والقنوات التلفزية الفرنساوية وهي أقل وطأة في شبكة الأنترنات واليوتوب والفايس بوك وغيرها. وتبقى القنوات التلفزية الفرنساوية أهم معاقل هؤلاء المتمترسين ضد القضايا العادلة العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وقد سبق للجنرال شارل دي غول أن قال لما كان رئيسا للجمهورية الفرنساوية "إن كانت الصحافة المكتوبة ضدي، فالتلفزة لي".

- التعتيم والتغييب لصالح إسرائيل مقابل الشيطنة تجاه العرب وخاصة منهم المقاومين والرافضين للاستسلام والاستلاب والرضوخ تلك هي السمات البارزة للخطاب الإعلامي الفرنساوي بمناسبة الحرب على غزة. لقد أصبح الإعلام الفرنساوي ماهرا في صناعة القبول بالإيجاب والرضوخ السلبي والتواطؤ باللامبالاة لدرجة أن هيئات التحرير الفرنساوية أصبحت بمناسبة حرب غزة كالمعسكرات الصحفية تسودها البروبقندا.

والسلام

سفيان بن فرحات حمام الشط في 8 جانفي 2009





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.