هل مازال ما يمكن معالجته إعلاميا في انتخاباتنا النزيهة والشفافة ؟ لم أجد أيّ زاوية تضيف شيئا جديدا للقارئ العزيز سوى مراقبة ما يحدث بكلّ ريبة. فالحملة الانتخابية انطلقت، رسميّا، بمصادرة صحيفة "الطريق الجديد"، الناطقة باسم حزب التجديد. قبلها، تعرّض الناطق الرسمي باسم حزب العمّال الشيوعي التونسي للتعنيف في مطار تونس-قرطاج الدولي وهو المكان الذي من المفروض أن يكون أكثر الأماكن أمنا في البلاد، قبل أن يتمّ منعه من السفر إلى باريس حيث تنظم قطاعات واسعة من المعارضة لقاء للتعبير عن رأيها في العملية الانتخابية. كما تمّ حجب مدونتين للزميل زياد الهاني وإهانته في المطار على خلفية مقالات نقدية، لبعض منها صلة بالانتخابات. هذا وتمّ منع أحزاب المعارضة الجديّة من خوض التشريعية في كبرى المدن وهو ما دفع بالحزب الديمقراطي التقدمي إلى الانسحاب غير آسف عمّا وصفه "بالمهزلة الانتخابية". دون أن ننسى تعنيف الزميل معز الباي وتواصل حجب مواقع إنترنت وصفحات على الفيسبوك والحملات الكلامية على المعارضين والحقوقيين والصحفيين المستقلين. كلّ ذلك بسبب الانتخابات.
وأوّل سؤال مشروع أمام كلّ هذا الزخم من الأحداث "الأمنية" التي لا تمتّ بسياسية الموعد بصلة هو : هل يمكن أن تنجح انتخابات وسط كلّ هذه التجاوزات ؟ لقد سfق وأن وعدت الحكومة بالنزاهة والشفافية. وهذا لا يعني النزاهة والشفافية في حسن سير عملية الاقتراع فحسب. فالانتخابات مسار ذو أربعة فصول. فأوّل الفصول هو القانون الذي يضفي شرعية على العملية برمتها والذي يمكّن كلّ الأطراف من الحق في الترشح سواء في الرئاسية أو في التشريعية، دون شروط تعجيزية. وثاني الفصول هي الحملة والتي يجب أن تكون عادلة في وصول برامج كلّ المرشحين للشارع التونسي. وثالث الفصول هو الاقتراع. أمّا الرابع والأخير فهو فرز الأصوات.
وللأسف الشديد، ليس هنالك من مؤشرات تؤكد احترام الحكومة لفصل من هذه الفصول، على الأقلّ ما تجاوزناه الآن من معارك قانونية وبداية حملة مخيبة للآمال.
وهذا الرأي شائع حتى بين تلك المراكز والمؤسسات التي أسندت لبلادنا شهادات حسن سلوك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. وآخرها، "مؤشر إبراهيم" للحوكمة والذي يصدره سنويا معهد كينيدي التابع لجامعة هارفارد. فوسائل الإعلام الرسمية و"المستقلة" في بلادنا هللت لمرتبتنا الأولى على مستوى دول شمال إفريقيا، دون أن تشير إلى أن نفس التقرير يضعنا في المرتبة ال35 إفريقيا في مجال "المشاركة السياسية وحقوق الإنسان" والذي يتّخذ من المسار الانتخابي أهمّ مقياس لذلك.
أماّ ثاني الأسئلة المشروعة، فهي إلى متى تتواصل حملة "شيطنة" رموز المعارضة والمجتمع المدني والمستقلين من الصحفيين ؟ ألم يحن الوقت لتعديل أوتار هذه السياسة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ؟ ألا تعي بعض الجهات أنّ مثل هذه السلوكات تصوّر بلادنا للخارج وكأنها في حرب وأنّ لا أخلاق لأهلها ولا هم يحزنون ؟ لماذا كلّ هذه المسافة بين الخطاب السياسي والواقع ؟ طبعا سيتهمني البعض كالعادة بإعطاء دروس لمن هو أرفع من أن يتلقى دروسا. ليكن. لكن، حان الوقت فعلا لتغيير كلّ هذه الأشياء.
سؤالي الأخير هو : ما الداعي من انتخابات لن تخوض بعض الأحزاب أكثر من 30 بالمائة من دوائرها، خاصة أنّ للتجمع أكثر من 73 بالمائة من أصوات الناخبين ؟
أرجو أن تلقى هذه الأسئلة أجوبة شافية وضافية في التطبيق.
بسام بونني
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.