نشرت لكم في التدوينة السابقة خبر تمكين صحيفتين من الصدور، الأولى للسيد رضا الملّولي عضو مجلس المستشارين عنوانها "رؤى".. والثانية لحزب الخضر للتقدم وعنوانها "التونسي". وطبيعي أن يفرح الواحد منّا لصدور أيّ عنوان جديد.. فكل صحيفة تصدر أيّا كان اتجاهها زهرة تتفتّـح في بستان بلادي، وتكريم للفكر ومخبر للتلاقح والتواصل والإضافة. لكن من حقنا كذلك أن نتساءل عن مصير عشرات مطالب إصدار الصحف التي ظلت حبيسة أدراج وزارة الداخلية في انتظار (غودو)، عفوا، أقصد في انتظار الحصول على الوصل الذي يمكّنها من الصدور؟؟
من الناحية القانونية النظرية البحتة، تعتبر تونس رائدة على مستوى العالم في مجال حرية إصدار الصحف!؟ نعم هي كذلك، ومن يساوره أدنى شك فعليه مراجعة مجلة الصحافة ليكتشف في فصلها الثالث عشر بأن إصدار صحيفة في بلادنا لا يتطلب أكثر من مجرد إعلام بسيط يتم تقديمه إلى وزارة الداخلية.. نعم هذا هو الإجراء المستوجب بكل بساطة..
وطبعا لإثبات وقوع الإعلام، تسلّم وزارة الداخلية للطالب وصلا في ذلك..ولا يمكن لصاحب المطبعة طبع الجريدة أو المجلة إلاّ بعد الاستظهار له بالوصل، وإلاّ كان مصيره السجن.. وهنا مربط الفرس..
فالمواطنون في عرف إدارتنا الموقّرة أصناف: أهل قرابة وحظوة ممّن تُـسبغ عليهم النّـعم، وآخرون ممنوعون من الصرف ممّن لا ظهير لهم ولا تسوى مواطنتهم في بلدهم أكثر من شيك دون (وليس بدون) رصيــد؟
وحتى لا نظلم ذوي قربانا، وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة، وما نحن بالظالمين، لا بدّ أن نعيد اللؤم لأهله والتسلط لأصحابه حتى يأخذ كل ذي حق حقّـه.. فتعالوا نتذاكر معا أصل الوصل المشؤوم وجذوره..
عندما اتسعت جذوة الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار في بلادنا، وساهمت الصحف العربية حينها بشكل كبير في إذكاء النضال الوطني، تفتقت قريحة السلط الاستعمارية على حيلة جهنمية لمواجهة مدّ الحركة الوطنية المطالبة بالتحرر: الوصل.. نعم، الوصل الذي سيمكّن السلط الاستعمارية من تكميم الأفواه دون الظهور بمظهر المتسلط المستبد..
ففي 16 نوفمبر 1921 وجّـه المقيم العام برقيته عدد 283 إلى وزارة الخارجية الفرنسية طالبا إلزام الباي بإصدار أمر عليّ يربط فيه إصدار الصحف الذي كان حرّا بالحصول على وصل.. وبالفعل صدر أمر عليّ بتاريخ 4 جانفي 1922 أصبح بمقتضاه إصدار الصحف مرتبطا بالحصول على وصل يسلّم في ظرف ثمانية أيام من تاريخ إيداع الإعلام بالنسبة للصحف الفرنسية والإيطالية، في حين لم يقع التنصيص على أيّ أجل لتسليم الوصل للصحف العربية مما جعل إصدارها معلّقا إلى أجل غير مسمى؟؟
هذا هو الوضع الذي ورثته حكوماتنا "الوطنية"، وتعاملت معه باقتدار.. ويبقى تصريح كاتب الدولة للإعلام السيد محمد المصمودي سنة 1975،الذي سنعود إليه لاحقا، علامة فارقة وشاهدا على مدى التزييف والاستهتار واحتقار المؤسسات الدسنورية للدولة وانتهاك حقوق المواطنين..
هذه مقدمة رأيتها ضرورية قبل أن أخوض معكم في تدوينة قادمة موضوع مجلة "الميثاق الجمهوري" التي سعيت لإصدارها منذ حوالي التسع سنوات، ولا تزال قضيتها منظورة منذ ذلك التاريخ أمام المحكمة الإدارية... دون فصل لغاية اليوم..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.